الاثنين، 13 فيفري 2012

الربيع العربي والإيديولوجيا



الربيع العربي هو ثورة الشعوب العربية ضد أنظمة ديكتاتورية قمعية وظالمة، اشتركت في ما بينها في الإنتهازية وحكم الفرد، إلا أنها اختلفت في مستوى الإيديولوجيا، فالفرق يبدو جليا بين نظام مصري أو تونسي إرتبطا أساسا بفساد مستشر وأحزاب حاكمة غير مؤدلجة (كان هنالك تلاق مؤقت بين الإيديولوجيا اليسارية والنظام التونسي السابق في بداياته عندما تولى الراحل محمد الشرفي وهو من رموز اليسار التونسي حقيبة التعليم في حكومة بن على الأولى يوم كان القمع على أشده في السجون، فترافق العنف المادي للنظام غير المأدلج مع عنف فكري مأدلج تجسد في سياسة تجفيف المنابع) ونظام سوري أو ليبي قاما على إيديولوجية رسمية هي القومية العربية (في الأول على الأقل بالنسبة لنظام القذافي). وإن كنا لا نزعم أن التأدلج يفسر لوحده الوحشية المفرطة والصعوبة البالغة في التخلص من النظامين الأخيرين مقارنة بالأولين، فإننا نعتقد أن له دورا سلبيا ومعرقلا لعجلة التاريخ ومجهضا لتحركات الشعوب أو مجبرا لها على الإستقواء بقوى أجنبية

هاته الإيديولوحيات وقبل تبوئها سدة الحكم، ظهرت نتيجة ظروف معينة، منها ما يخص عالمنا العربي ومنها ما يرتبط بتأثيرات خارجية أو سياق تاريخي معين (التحرر من الإستعمار). ظهرت إيديولوجيات قوية من ناحية تأثيرها وكثيرا ما كانت قاتلة، سنخص منها بالذكر ثلاثة

الإيديولوجيا الشيوعية : والتي نشأت في مناخ معاد للغرب وإمبرياليته، وللشعوب آنذاك وتخلفها (رجعيتها)، قتبنت قضايا الأمة كتحرير الأرض ومقاومة المعتدي، إلا أنها اصطدمت بمكون أساسي من مكونات الأمة وكيانها ألا وهو دينها فلم تستطع الولوج إلى الطبقات الفقيرة التي هي أحد مركزي ثقلها واكتفت بطبقة من المثقفين انحصر تأثيرهم وهذا مما منعهم من الوصول إلى سدة الحكم (باستثناء اليمن الجنوبي إن جاز القول)

الإيديولوجيا القومية: وارتكزت على الدفاع عن الأمة العربية واعتبارها الوحدة الحضارية التي يجب تحقيقها، تباين موقفها من الدين من الحياد إلى العداء، وتبنت أحيانا الإسلام الحضاري كقيمة (في مقابل الإسلام العقائدي)، وكانت في غالبها ذات نزعة إشتراكية، بلغت أوجها مع عبد الناصر في مصر، ومحاولات الوحدة مع سوريا، ثم صعود أحزاب البعث في سوريا و العراق وانقلاب القذافي في ليبيا

الإيديولوجيا الإسلامية : وهي وإن كانت إمتدادا لأولى حركات الصمود والمقاومة والإصلاح (الكواكبي في مصر، محمد عبده في مصر، الثعالبي في تونس) إلا أنه لم يكن لها السبق واليد العليا في البداية، فترعرت في السجون والأقبية وفي معارضة أنظمة لا تشاركها نفس المشروع الحضاري والمجتمعي أقصتها بقوة السلاح من ميادين الفكر والسياسة، مما أدى إلى نشوء بذرة متطرفة، تكفر المجتمع والأنظمة، وترتئي الكفاح المسلح سبيلا لتغيير نظم الحكم ومثال ذلك ما حدث في مصر وفي الجزائر

لكل هذه الإيديولوجيات قيم عليا ترتكز عليها وتدافع عنها، فللحركات الجهادية الإسلام ومبادئه، وللقوميين العروبة ووحدة الأمة، وللشيوعيين الثورة والتقدمية والعدالة الإجتماعية. كلها قيم نبيلة ومشرفة، إلا أن الإشكال لا ينبع من الغايات وإنما من الوسائل لتحقيق هاته الغايات، فكلها استعملت البروباغاندا كآلية لخطاب شعبوي بامتياز، يخاطب العاطفة قبل العقل، واحتكرت القيم التي تدافع عنها (سواء أعلنت ذلك أم لا) وكفرت كل من يخالفها (التكفير الفكري)، وتوسلت العنف للوصول إلى غاياتها، وكثيرا ما كان هذا العنف مكونا أساسيا نابعا من الإيديولوجيا نفسها (ديكتاتورية البلوريتاريا والعنف الثوري مثلا، تحريف مفهوم الجهاد ثانيا،...)

وقد لا يتسع المجال لجرد الجرائم التي ارتكبتها الأنظمة الشيوعية في القرن الماضي وقد لا نوفي الشهداء حقهم إن تحدثنا عن مجزرة حماه، ولا يخفى على أحد ضلالات الجماعات الجهادية ولا عنفها ودمويتها ولكن نكتفي بهذا الفيديو لظابط أعدمه النظام الليبي السابق



وخطورة الإيديولوجيات غدت مضاعفة إذ ألبست الحق بالباطل فوجدت من يدافع عنها مهما اقترفت لا لشيئ سوى لكون المتهم أخا أو رفيقا يشترك في نفس العقيدة الفكرية والرؤى الإيديولوجية ولذلك وجدنا - وهذا مما يأسفنا - من المناضلين من يدافع عن أنظمة وحشية ودموية كالنظامين السوري والليبي بينما اقتصر لعب هذا الدور الخسيس على الوصوليين والإنتهازيين في الحالتين التونسية و المصرية (ولا خير في من دافع عن نظام مجرم مهما كانت التعلة)

واشتركت هذه الإيديولوجيات أيضا في تعاملها الفوقي مع الشعب، فهي التي تغييره، وتحاكمه، وتأدلجه، وإن ارتأى أحد تفكيرا مستقلا ومغايرا للإيديولوجيا الرسمية يتم ترهيبه وإقصاؤه فكريا أوجسديا

الثورات في رأيي على النقيض من هذا، جاءت دون قيادة جامعة من حزب أو طرف إيديولوجي معين، وإنما من الشعب مباشرة، فالطبيعي أن يحتل الشعب مكانه الذي يليق به كما هو الحال في أي نظام ديمقراطي، وهو أن تكون السلطة بيده، وأن يكون الحاكم والحكم، ولا يتم تطويعه بأي مسوغ كان ولأي هدف أو غاية مها علا شأنها، وأن تحفظ كرامة المواطن وتكرس حريته، وأن تسهر الجماعة على راحته كفرد لا أن يكون هو مجرد أداة في يد الجماعة. الثورات في رأيي انتصار للإسلام من تحريف وضيق الرؤى المؤدلجة التي وضع أحيانا في إطارها، وانتصار للعروبة على القومية كما عرفنا وسئمناها، وتحرير لقيم العدالة والثورة من أدعيائها ومن يزعمون أنهم حماتها، والطريق للنهضة الحضارية واسترجاع المكانة وتحرير الأرض والقدس والذود عن الحمى لن يكون على جماجمنا وباضطهادنا بتسميات ذكرناها وإنما سيكون أولا وأخيرا عبر إعلاء شأن الفرد العربي والرفع من قيمته واحترامه وصون كرامته وعزته وتقديس حرمة دمه وعرضه.
  
وإن لم نحترم أنفسنا فمحال أن يحترمنا غيرنا  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق